سورة الإسراء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا} أي بطرا وكبرا وخيلاء وهو تفسير المشي فلذلك أخرجه على المصدر، {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ} أي لن تقطعها بكبرك حتى تبلغ آخرها {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} أي لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك. معناه: أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئا كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء.
وقيل: ذكر ذلك لأن من مشى مختالا يمشي مرة على عقبيه ومرة على صدور قدميه فقيل له: إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ولن تبلغ الجبال طولا إن مشيت على صدور قدميك.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أخبرنا الهيثم بن كليب حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن المسعودي عن عثمان بن مسلم بن هرمز عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشى يتكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب».
أخبرنا أبو محمد الجرجاني أخبرنا أبو القاسم الخزاعي أخبرنا الهيثم بن كليم حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث».


{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة: برفع الهمزة وضم الهاء على الإضافة ومعناه: كل الذي ذكرنا من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} {كَانَ سَيِّئُهُ} أي: سيئ ما عددنا عليك عند ربك مكروها؛ لأنه قد عد أمورا حسنة كقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} وغير ذلك.
وقرأ الآخرون: {سيئة} منصوبة منونة يعني: كل الذي ذكرنا من قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه إذ الكل يرجع إلى المنهي عنه دون غيره ولم يقل مكروهة لأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره: كل ذلك كان مكروها سيئة. وقوله: {مَكْرُوهًا} على التكرير لا على الصفة مجازه: كل ذلك كان سيئة وكان مكروها أو رجع إلى المعنى دون اللفظ لأن السيئة الذنب وهو مذكر. {ذَلِكَ} الذي ذكرنا {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمه.
{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات والمراد منه الأمة {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} مطرودا مبعدا من كل خير.


قوله عز وجل: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ} أي: اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة يعني: اختاركم {بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا} يخاطب مشركي مكة. قوله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} يعني: ما ذكر من العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد للتكثير والتكرير {لِيَذَّكَّرُوا} أي: ليتذكروا ويتعظوا وقرأ حمزة والكسائي بإسكان الذال وضم الكاف وكذلك في الفرقان. {وَمَا يَزِيدُهُمْ} تصريفنا وتذكيرنا {إِلا نُفُورًا} ذهابا وتباعدا عن الحق. {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} قرأ حفص وابن كثير {يقولون} بالياء وقرأ الآخرون بالتاء {إِذًا لابْتَغَوْا} لطلبوا يعني الآلهة {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض.
وقيل: معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلا بالتقرب إليه.
قال قتادة: لعرفوا الله وفضله وابتغوا ما يقربهم إليه.
والأول أصح. ثم نزه نفسه فقال عز من قائل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} قرأ حمزة والكسائي {تقولون} بالتاء والآخرون بالياء {عُلُوًّا كَبِيرًا} {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب: {تسبح} بالتاء وقرأ الآخرون بالياء للحائل بين الفعل والتأنيث.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} روي عن ابن عباس أنه قال: وإن من شيء حي إلا يسبح بحمده.
وقال قتادة: يعني الحيوانات والناميات.
وقال عكرمة: الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح.
وعن المقدام بن معد يكرب قال: إن التراب يسبح ما لم يبتل فإذا ابتل ترك التسبيح وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها فإذا رفعت تركت التسبيح وإن الورقة لتسبح ما دامت على الشجرة فإذا سقطت تركت التسبيح وإن الثوب ليسبح ما دام جديدا فإذا وسخ ترك التسبيح وإن الماء يسبح ما دام جاريا فإذا ركد ترك التسبيح وإن الوحش والطير تسبح إذا صاحت فإذا سكنت تركت التسبيح.
وقال إبراهيم النخعي: وإن من شيء جماد إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف.
وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح لله حيا كان أو ميتا أو جمادا، وتسبيحها سبحان الله وبحمده.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا أبو أحمد الزبير أخبرنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: «اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل».
وقال بعض أهل المعاني: تسبح السموات والأرض والجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ما دلت بلطيف تركيبها وعجيب هيئتها على خالقها فيصير ذلك بمنزلة التسبيح منها.
والأول هو المنقول عن السلف.
واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه.
{وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي لا تعلمون تسبيح ما عدا من يسبح بلغاتكم وألسنتكم {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9